الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "نجاح" لشيراز بوزيدي: صرخة نساء "البلاستيك" في آذان بلاستيكيّة

نشر في  25 سبتمبر 2014  (10:04)

 ضمن برنامج أيّام السينما الأوروبيّة بتونس تمّ عرض فيلم "نجاح" للمخرجة  التونسيّة شيراز بوزيدي، وذلك يوم 24 سبتمبر 2014 بقاعة المونديال بتونس العاصمة. كتب السيناريو الفنّان الفقيد لطفي الدزيري الذّي توفّي خلال اعداد العمل. فيلم وثائقي يمتدّ على 25 دقيقة ويصوّر حياة امرأة من قرية "النجاح" من ولاية سليانة بالشمال الغربي للجمهوريّة التونسيّة.

تنطلق الكاميرا بنبش مستودع النفايات الذّي يقع بالقرب من القرية موضوع العمل، مترصّدة نبش امرأة -من بين أخريات- لأكوام النفايات بحثا عن القوارير والمعلّبات البلاستيكيّة التّي ستبيعها فيما بعد بأثمان زهيدة تغطّي بالكاد نفقات  أسرتها. "أعتبر نفسي طفلا في كفالتها" هذا ما عبّر به زوجها حرفيّا.

يعترضنا كثيرا من جامعي البلاستيك في العاصمة، ومن بينهنّ نساء. ولكن اختيار شيراز لهذه المرأة بالذّات ليس عبثيّا. أوّلا لأنّ حسّها كإمرأة يقودها قبل كونها مخرجة. وثانيها أن المستجوبة تجسد معاناة منطقة كاملة، وتحمل أيضا مجازاتها. إذ تصرّح أنّها تصادف في النفايات الموت كلّ يوم، فهي تنبش على البلاستيك حتى داخل فضلات المستشفيات، وسط الحقن، الأكياس، وحتّى الحفّاظات. وفي معرض سؤالها حول عدم خوفها من الموت تقول "كان متّ خلّ نموت.. أنا نخدم في الموت بيدي".

ويدخل الفيلم الوثائقي "النجاح" ضمن دور جنس سينمائي يعمل على تعرية الواقع. واقعٌ كان وقود الثورة التونسيّة، لكن رماده سيشعل فتيلا آخر إن لم توضع خطط حقيقيّة لتنمية المناطق المهمّشة التّي بقيت تعتمد على مواطن شغل هشة تُهان فيها نساء تونسيّات.

يفضح الفيلم عبر شهاداته تهاون المسؤولين المحلّيين رغم زيارتهم العديدة للموقع، لذلك تقول نجاح "الزبلة نقعدو فيها ونموتو فيها" وكأنّها اعادة لأسطورة سيزيف. إنّه النبش في القاذورات لاستخراج أمل ما. أملٌ نسيته نجاح، لكنّها غرسته في بناتها وتقول إنّ معاناتها سيمسحها نجاح بناتها الدراسيّ في المستقبل.

عمل ثلاثة أشهر يساوي 180 دينارا، لكن لغة الأرقام هذه لا تفي للتعبير عمّا روته كاميرا شيراز بوزيدي. لا تكفي لتعبّر عن الحرمان الذّي تعدّى كلّ الحدود، ليصل حتّى إلى غريزة المرأة الأساسيّة في أن تتجمّل. "مرا في الزبلة تتسمّى مرا؟" جملة كهذه قد تصيب سامعها بالخجل من نفسه أوّلا. أيّة معاناة يمكن أن تفوق  هذه النظرة الدونية للمرأة في القرن الواحد والعشرين، أنثى لا تتجمّل ولا تعطي قيمة للمرآة في حياتها، فقط لأنّها أُجبرتْ على العمل وسط النفايات كي تجابه مصاعب الحياة.  

أبدعتْ شيراز بوزيدي وفريقها العامل في تعرية حقائق، وخاصّة في عرض وجه آخر للمرأة التونسيّة المكافحة والصبورة. كما أنّ اختيار الموسيقى (معزوفة لعمر فاروق تكبيلك، على سبيل المثال) ساهم في اضفاء جماليّة أخرى للصورة التّي كانت في لقطات عديدة مكثّفة ومعبّرة. 

شوقي البرنوصي